﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت * الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ [ قريش : ٤ ]. قال ابن هشام :« الأبابيل » الجماعات ولم تتكلم العرب بواحدة قال : وأما « السجيل » فأخبرني يونس النحوي أنه عند العرب الشديد الصلب، « والعصف » ورق الزرق الذي يقضب واحدته عصفة. انتهى ما ذكره. وقال ابن عباس والضحّاك : أبابيل يتبع بعضها بعضاً، وقال الحسن البصري وقتادة : الأبابيل الكثيرة، وقال مجاهد « أبابيل » شتى متتابعة مجتمعة، وقال ابن زيد :« الأبابيل » المختلفة تأتي من ههنا، ومن ههنا، أتتهم من كل مكان، وقال عكرمة : كانت طيراً خضراً خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع. وعن ابن عباس ومجاهد : كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب، وقال عبيد بن عمير : لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف، كل طير منها يحمل ثلاثة أحجار حجرين في رجليه وحجراً في منقاره، قال : فجاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما يقع على رأس رجل إلاّ خرج من دبره، ولا يقع على شيء من جسده إلاّ خرج من الجانب الآخر، وبعث الله ريحاً شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعاً. وقال ابن عباس ﴿ حِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ﴾ قال : طين من حجارة.
وقوله تعالى :﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾ قال سعيد بن جبير : يعني التين الذي تسميه العامة هبور، وقال ابن عباس : العصف القشرة التي على الحبة كالغلاف على الحنطة، وقال ابن زيد : العصف ورق الزرع، وورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته فصار دريناً، المعنى أن الله سبحاه وتعالى أهلكهم ودمّرهم وردهم بكيدهم وغيظهم، لم ينالوا خيراً، وأهلك عامتهم ولم يرجع منه مخبر إلاّ وهو جريح، كما يروى لأمية بن أبي الصلت بن ربيعة قوله :
إن آيات ربنا باقيات... ما يماري فيها إلاّ الكفور
خلق الليل والنهار فكل... مستبين حسابه مقدور
ثم يجلو النهار رب رحيم... بمهاة شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمّس حتى... صار يحبو كأنه معقور
خلّفوه ثم ابذعرّوا جميعاً... كلهم عظم ساقه مكسور
كل دِين يوم القيامة عند... الله إلاّ دين الحنيفة بور