[ الأعراف : ١٥٧ ] الآية، وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم، والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به وحذرت وأنذرت؛ ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وزهَّدت في الدنيا ورغَّبت في الأُخرى، وثبتت على الطريقة المثلى، وهدت إلى صراط الله المستقيم، وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم. ولهذا قال رسول الله ﷺ :« ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أُعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجوا أن أكون أكثرهم نابعاً يوم القيامة »، وقوله :ﷺ « وإنما كان الذي أوتيتُه وحيا » أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية فإنها ليست معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم، وله عليه الصلاة السلام من الآيات الدالة على نبوته وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر، ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى :﴿ فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ أما الوقود فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه كما قال تعالى :﴿ وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾ [ الجن : ١٥ ] وقال تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] والمراد بالحجارة هاهنا هي حجارة الكبريت، العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرّاً إذا حميت أجارنا الله منها، وقال السُّدي في تفسيره عن ابن مسعود ﴿ اتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة ﴾ : أما الحجارة فهي حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار، وقال مجاهد : حجارة من كبريت أنتن من الجيفة. وقيل : المراد بها حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قالت تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] الآية.
وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال تعالى :﴿ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ﴾ [ الإسراء : ٩٧ ] وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمر ويشتد لهبها، قال : ليكون ذلك أشد عذابا لأهلها.
وقوله تعالى :﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ الأظهر أن الضمير عائد إلى النار ويحتمل عوده إلى الحجارة كما قال ابن مسعود، ولا منافاة بين القولين في المعنى لأنهما متلازمان. و ﴿ أُعِدَّتْ ﴾ أي أرصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله، وقد استدل كثير من أئمة السنّة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله تعالى :﴿ أُعِدَّتْ ﴾ أي أرصدت وهيئت، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها :« تحاجت الجنة والنار » ومنها :« استأذنت النار ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف »


الصفحة التالية
Icon