[ النحل : ٧٥ ] الآية ثم قال :﴿ وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل ﴾ [ النحل : ٧٦ ] ؟ الآية. وقال :﴿ وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون ﴾ [ العنكبوت : ٤٣ ] وفي القرآن أمثال كثيرة.
قال بعض السلف : إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله قال :﴿ وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون ﴾ [ العنكبوت : ٤٣ ] قال قتادة :﴿ فأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ ﴾ أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه من عند الله. وقال أبو العالية :﴿ فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ ﴾ يعني هذا المثل، ﴿ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾ كما قال تعالى :﴿ وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ [ المدثر : ٣١ ]، وكذلك قال هاهنا :﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ﴾.
قال ابن عباس : يضل به كثيرا يعني به ( المنافقين )، ويهدي به كثيرا يعني به ( المؤمنين ) فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم، لتكذيبهم بما قد علموه حقاً يقيناً من المثل الذي ضربه الله، ويهدي به يعني المثل كثيرا من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيماناً إلى إيمانهم ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ﴾، قال أبو العالية : هم أهل النفاق، وقال مجاهد عن ابن عباس ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ﴾ قال : يعرفه الكافرون فيكفرون به. وقال قتادة :﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ﴾ فسقوا فأضلهم الله على فسقهم.
والفاسقُ في اللغة : هو الخارج عن الطاعة. تقول العرب : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، ولهذا يقال للفأرة ( فويسقة ) لخروجها عن جحرها للفساد. وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال :« خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغرابُ والحدأةُ والعقرب والفأرة والكلب العقور » فالفاسق يشمل الكافر والعاصي، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش، والمراد به من الآية الفاسقُ الكافر والله أعلم، بدليل أنه وصفهم بقوله تعالى :﴿ الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض أولئك هُمُ الخاسرون ﴾، وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين، كما قال تعالى :﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب * الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق ﴾ [ الرعد : ١٩-٢٠ ] الآيات، إلى أن قال :﴿ والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض أولئك لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء الدار ﴾


الصفحة التالية
Icon