وقال ابن أبي حاتم عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ قال : الحرم كله مقام إبراهيم. وقوله تعالى :﴿ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره : كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج، وعن ابن عباس قال : من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه، وقال الله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ] الآية، وقال تعالى :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت * الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ [ قريش : ٣-٤ ] وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك.
ففي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة :« لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا »، وقال يوم فتح مكة :« » إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة : لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها «، فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال :» إلا الإذخر « وعن أبي شريح العدوي أنه قال : لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي ايها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول الله ﷺ الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به : إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال :» إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ﷺ فيها، فقولوا له : إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الغائب «، فقيل لأبي شريح : ما قال لك عمرو؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فارا بخربة. وعن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :» لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة «