ومن الأحاديث الدالة على فضيلة هذه الأمة وشرفها وكرامتها على الله عزّ وجلّ، وأنها خير الأمم في الدنيا والآخرة ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال :« قال لنا رسول الله ﷺ :» أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة « فكبرنا، ثم قال :» أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة « فكبرنا، ثم قال :» إني لأرجوا أن تكونوا شطر أهل الجنة « ».
حديث آخر : قال الإمام أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، أن النبي ﷺ قال :« أهل بالجنة عشرون ومائة صف. هذه الأمة من ذلك ثمانون صفاً ».
حديث آخر : قال الطبراني عن أبي هريرة :« لما نزلت :﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين ﴾ [ الواقعة : ٣٩-٤٠ ] قال رسول الله ﷺ :» أنتم ربع أهل الجنة، أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة، أنتم ثلثا أهل الجنة « ».
حديث آخر : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، الناس لنا في تبع، غداً لليهود، وللنصارى بعد غد ».
فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَتُؤْمِنُونَ بالله ﴾، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح، كما قال قتادة : بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها رأى من الناس دَعَة، فقرأ هذه الآية :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، ثم قال :( من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها )، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى :﴿ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [ المائدة : ٧٩ ] الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى :﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكتاب ﴾ أي بما أنزل على محمد، ﴿ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون ﴾ أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان.
ثم قال تعالى مخبراً عباده المؤمنين ومبشراً لهم : أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى :﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ﴾، هكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة ( بني قينقاع ) وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم الله، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام.