وعن الزبير بن العوام قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هنا وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أخذهن كثير ولا قليل، ومالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل فأوتينا من أدبارنا، وصرخ صارخ ألا إن محمداً قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنوا منه أحد من القوم، قال محمد بن إسحاق : فلم يزل لواء المشركين صريعاً حتى أخذته ( عمرة بنت علقمى الحارثية ) فدفعته لقريش فلاثوا بها وقال السدي عن عبد الله بن مسعود قال : ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ يريد الدنيا حتى نزل فينا ما نزل يوم أحُد ﴿ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخرة ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ قال ابن إسحاق : انتهى أنَس بن النضر عم أنَس بن مالك إلى ( عمر بن الخطاب ) و ( طلحة بن عبد الله ) في رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا ما بأيديهم، فقال : ما يخليكم؟ فقالوا : قتل رسول الله ﷺ، قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه؛ ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه - وقال البخاري عن أنَس بن مالك أن عمه يعني ( أنَس بن النضر ) غاب عن بدر فقال : غبت عن أول قتال النبي ﷺ لئن أشهدني الله مع رسول الله ﷺ ليَرينَّ الله ما أجد، فلقي يوم أحد فهزم الناس، فقال اللهم إن أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما جاء به المشركون؛ فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ فقال : أين يا سعد إني أجد ريحح الجنة دون أحد، فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم.
وقوله تعالى :﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ ﴾ أي صرفكم عنهم إذ تصعدون أي في الجبال هاربين من أعدائكم، ﴿ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ ﴾ أي وأنتم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب، ﴿ والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ ﴾ أي وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى الرجعة والعودة والكرة، قال السدي : لما اشتد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم دخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم إلى الجبل فوق الصخرة فقاموا عليها، فجعل الرسول ﷺ يدعو الناس :