ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة والله أعلم.
( ذكر أقوال المفسرين ).
قال السدي في تفسيره : إن الله تعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا : ربنا وما يكون ذاك الخليفة؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض، ويقتل بعضهم بعضاً : قال ابن جرير : وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرناً. والخليفة الفعلية من قولك : خلف فلان فلاناً في هذا الأمر، إذا قام مقامه فيه بعده، كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [ يونس : ١٤ ]. ومن ذلك قبل للسلطان الأعظم خليفة، لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر فكان منه خلفاً.
قال ابن جرير عن ابن عباس : إن أول من سكن الأرض الجن، فافسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا. قال : فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ثم خلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال :﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً ﴾. وقال الحسن : إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء، ولكن جعل الله في قلوبهم أن ذلك سيكون، فقالوا بالقول الذي علمهم. وقال قتادة في قوله :﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ : كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فذلك حين قالوا :﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء ﴾ ؟.
قال ابن جرير : وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء ﴾ لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها : وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم؟ فأجابهم ربهم ﴿ إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني أن ذلك كائن منهم، وإن لم تعلموه أنتم ومن بعض ما ترونه لي طائعا، قال، وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك، فكأنهم قالوا : يا رب خبرنا - مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار - واختاره ابن جرير.
وقوله تعالى :﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾، قال قتادة : التسبيح والتقديس الصلاة وقال السدي عن ابن عباس ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ : نصلي لك. وقال مجاهد ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾، قال : نعظمك ونكبرك. وقال ابن جرير : التقديس هو التعظيم والتطهير. ومنه قولهم : سبوح قدوس، يعني بقولهم سبوح تنزيه له، وبقولهم قدوس طهارة وتعظيم له، وكذلك قيل للأرض : أرض مقدسة، يعني بذلك المطهرة، فمعنى قوله الملائكة إذن ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ : ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك ﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك.


الصفحة التالية
Icon