يقول تعالى : ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم إذا متن عن غير ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد الوصية أو الدين، وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية، وبعده الوصية ثم الميراث، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب، ثم قال :﴿ وَلَهُنَّ الربع مِمَّا تَرَكْتُمْ ﴾ إلى آخره، وسواء في الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان الاثنتان، والثلاث والأربع يشتركن فيه. وقوله :﴿ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ ﴾ الخ. الكلام عليه كما تقدم. وقوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً ﴾ الكلالة : مشتقة من الإكليل، وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه، والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه، كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن الكلالة فقال : أقول فيها برأيي فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد. فلما ولي عمر قال : إني لأستحي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه، كذا رواه ابن جرير وغيره، وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف وقد حكى الإجماع عليه غير واحد.
وقوله تعالى :﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾ أي من أم كما هو في قراءة ( سعد بن أبي وقاص ). وكذا فسرها أبو بكر الصديق :﴿ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثلث ﴾ وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه :( أحدها ) أنهم يرثون مع من أدلوا به وهي الأم، ( والثاني ) أن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء، ( والثالث ) لا يرثون إلا إن كان ميتهم يورث كلالة فلا يرثون مع أب ولا جد ولا ولد ولا ولد ابن، ( الرابع ) أنهم لا يزادون على الثلث وإن كثر ذكورهم وإناثهم، قضى عمر أن ميراث الأخوة من الأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثى، قال الزهري : ولا أرى عمر قضى بذلك حتىعلم ذلك من رسول الله ﷺ وهذه الآية هي التي قال الله تعالى فيها :﴿ فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثلث ﴾ واختلف العلماء في المسألة المشتركة وهي ( زوج وأم أو جدة واثنان من ولد الأم وواحد أو أكثر من ولد الأبوين )، فعلى قول الجمهور للزوج النصف، وللأم أو الجدة السدس، ولولد الأم الثلث ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك وهو أخوة الأم، وقد وقعت هذه المسألة في زمان أمير المؤمنين عمر فأعطى الزوج النصف والأم السدس، وجعل الثلث لأولاد الأم فقال له أولاد الأبوين : يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً ألسنا من أم واحدة؟ فشرك بينهم وهو مذهب مالك والشافعي.