« واستوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ».
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ الآية، يحرم الله تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم، وإعظاماً واحتراماً أن توطأ من بعده، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه. قال ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال : لما توفي أبو قيس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت : إنما أعدُّك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله ﷺ، فقالت :« إن أبا قيس توفي فقال :» خيراً «، ثم قالت : إن ابنه قيساً خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعدُّه ولداً فما ترى؟ فقال لها :» ارجعي إلى بيتك « قال فنزلت :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء ﴾ » الآية. وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولاً به في الجاهلية، ولهذا قال :﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾، كما قال :﴿ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٣ ] قال : وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة، تزوج بامرأة أبيه فأولدها ابنه النضر بن كنانة، قال : وقد قال ﷺ :« ولدت من نكاح لا من سفاح » قال : فدل على أنه كان سائغاً لهم ذلك، فأراد أنهم كانوا يعدونه نكاحاً؛ وعن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل الله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء ﴾، ﴿ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين ﴾ [ النساء : ٢٣ ]، وهكذا قال عطاء وقتادة، ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر والله أعلم، وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة، مبشع غاية التبشع ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾، وقال :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ]، وقال :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ]، فزاد هاهنا :﴿ وَمَقْتاً ﴾ أي بغضاً أي هو أمر كبير في نفسه، ويؤدي إلى مقت الأبن أباه بعد أن يتزوج بامرأته، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي ﷺ وهو كالأب، بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه.
وقال عطاء في قوله تعالى :﴿ وَمَقْتاً ﴾ أي يمقت الله عليه، ﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ أي وبئس طريقاً لمن سلكه من الناس، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن البراء بن عازب عن خاله أبي بردة : أنه بعثه رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله، وقال الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال : مر بي عمي ( الحارث بن عمير ) ومعه لواء قد عقده له النبي ﷺ فقلت له : أي عم أين بعثك النبي؟ قال : بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه.