هذه الآية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب، وما يتبعه من الرضاع والمحارم بالصهر، كما قال ابن عباس : حرمت عليكم سبعٌ نسباً وسبع صهراً، وقرأ :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ الآية. وقد استدل جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه، بعموم قوله تعالى :﴿ وَبَنَاتُكُمْ ﴾ فإنها بنت فتدخل في العموم كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل، وقد حكي عن الشافعي شيء في إباحتها لأنها ليست بنتاً شرعية فكما لم تدخل في قوله تعالى :﴿ يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين ﴾ [ النساء : ١١ ] فإنها لا ترث بالإجماع، فكذلك لا تدخل في هذه الآية والله أعلم. وقوله تعالى :﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرضاعة ﴾ أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك، كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال :« إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة » وفي لفظ لمسلم :« يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب » ثم اختلف الأئمة في عدد الرضعات المحرمة، فذهب ذاهبون إلى أنه يحرم مجرد الرضاع لعموم هذه الآية، وهذا قول مالك، ويروى عن ابن عمر، وقال آخرون : لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال :« لا تحرم المصة ولا المصتان » وفي لفظ آخر :« لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان » وممن ذهب إلى هذا القول الإمام أحمد بن حنبل، وقال آخرون : لا يحرم أقل من خمس رضعات لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان فيما أنزل من القرآن « عشر رضعات معلومات يحرمن » ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي ﷺ وهن فيما يقرأ من القرآن ) وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات، وبهذا قال الشافعي وأصحابه، ثم ليعلم أنه لا بد أن تكون الرضاعة في سن الصغر دون الحولين على قول الجمهور، وقد قدمنا الكلام على هذه المسألة في سورة البقرة عند قوله :﴿ والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة ﴾ [ الآية : ٢٣٣ ].
وقوله :﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ ﴾ أما ( أمُّ المرأة ) فإنها تحرم بمجرد العقد على بنتها، سواء دخل بها أو لم يدخل بها، وأما ( الربيبة ) وهي بنت المرأة فلا تحرم حتى يدخل بأمها، فإن طلق الأم قبل الدخول بها جاز أن يتزوج بنتها، ولهذا قال :﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾ في تزويجهن، فهذا خاص بالربائب وحدهن، وقد فهم بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب فقال : لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها لقوله :﴿ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon