وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم بخلاف الأم فإنها تحرم بمجرد العقد، قال ابن أبي حاتم : عن ابن عباس : أنه كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها، وهذا مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وجمهور الفقهاء قديماً وحديثاً، ولله الحمد والمنة.
وأما قوله تعالى :﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ ﴾ فالجمهور على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره، قالوا : وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾ [ النور : ٣٣ ] وفي الصحيحين « أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان، وفي لفظ لمسلم ( عزة بنت أبي سفيان ) قال :» أو تحبين ذلك «؟ قالت : نعم لست بك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، قال :» فإن ذلك لا يحل لي « قالت : فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة قال :» بنت أم سلمة « قالت : نعم قال :» إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لبنت أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن « وفي رواية للبخاري :» إني لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي « فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة وحكم بالتحريم بذلك، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف، وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل فإذا لم تكن كذلك فلا تحرم وهو قول غريب جداً، وإلى هذا ذهب داود الظاهري وأصحابه، واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله فاستشكله وتوقف في ذلك والله أعلم؛ وأما الربيبة في ملك اليمين فقد قال الإمام مالك بن أنس : أن عمر ابن الخطاب سئل عن المرأة وبنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى فقال عمر : ما أحب أن أجيزهما جميعاً : يريد أن أطأهما جميعاً بملك يميني، وعن طارق بن عبد الرحمن عن قيس قال : قلت لابن عباس : أيقع الرجل على المرأة وابنتها مملوكين له؟ فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية، ولم أكن لأفعله، وقال الشيخ ابن عبد البر رحمه الله : لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وبنتها من ملك اليمين لأن الله حرم ذلك في النكاح، قال :﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ﴾، وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روي عن عمر وابن عباس، وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم، وروى هشام عن قتادة : بنت الربيبة وبنت ابنتها لا تصلح وإن كانت أسفل ببطون كثيرة، ومعنى قوله :﴿ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ أي نكحتموهن قاله ابن عباس وغير واحد، وقال ابن جرير : وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأة لا تحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها، وقبل النظر إلى فرجها بشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع.


الصفحة التالية
Icon