وقوله تعالى :﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾ أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم، يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية. قال ابن جريج : سألت عطاء عن قوله :﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾ قال : كنا نحدّث - والله أعلم - أن النبي ﷺ لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل الله عزّ وجلّ :﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾، ونزلت :﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٤ ]، ونزلت :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ [ الأحزاب : ٤٠ ].
وقوله تعالى :﴿ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ الآية، أي وحرم عليكم الجمع بن الأختين معاً في التزويج وكذا في ملك اليمين، إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد عفونا عنه وغفرناه، فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل لأنه استثنى مما سلف، كما قال :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ] فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً، وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديماً وحديثاً، على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح، ومن أسلم وتحته أختان خير فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة، قال الإمام أحمد : عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال : اسلمت وعند امرأتان أختان فأمرني النبي ﷺ أن أطلق إحداهما، وفي لفظ للترمذي : فقال النبي ﷺ :« اختر أيتهما شئت » وعن أبي خراش الرعيني قال : قدمت على رسول الله ﷺ وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية فقال :« إذا رجعت فطلق إحداهما » وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين فحرام أيضاً لعموم الآية، وروي ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين فكرهه، فقال له - يعني السائل - يقول الله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ﴾، فقال له ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : وبعيرك مما ملكت يمينك، وهذا هو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم، وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك، وقال الإمام مالك : سأل رجل ( عثمان بن عفان ) عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية، وما كنت لأمنع ذلك، فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب النبي ﷺ فسأله عن ذلك، فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً، وقال مالك قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب.


الصفحة التالية
Icon