يقول تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً ﴾ أي سعة وقدرة ﴿ أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات ﴾ أي الحرائر العفائف المؤمنات، ﴿ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات ﴾ أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون، ولهذا قال :﴿ مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات ﴾ قال ابن عباس : فلينكح من إماء المؤمنين، ثم اعترض بقوله :﴿ والله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ ﴾ أي هو العالم بحقائق الامور وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور، ثم قال :﴿ فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث :« أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر » أي زان، فإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث :« لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ».
وقوله تعالى :﴿ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروف ﴾ أي وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي عن طيب نفس منكم، ولا تبخسوا منه شيئاً استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات، وقوله تعالى :﴿ مُحْصَنَاتٍ ﴾ أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه، ولهذا قال :﴿ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ﴾ وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ قال ابن عباس :( المسافحات ) هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحداً أرادهن بالفاحشة، ومتخذات أخدان يعني أخلاء، وقال الحسن البصري : يعني الصديق، وقال الضحاك : ذات الخليل الواحد المقرة به، نهى الله عن ذلك يعني تزويجها ما دامت كذلك.
وقوله تعالى :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ اختلف القراء في ﴿ أُحْصِنَّ ﴾ فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد مبني لما لم يسم فاعله، وقرىء بفتح الهمزة والصاد فعل لازم، ثم قيل : معنى القراءتين واحد، واختلفوا فيه على قولين :
( أحدها ) أن المراد بالإحصان هاهنا الإسلام روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وقيل : المراد به هاهنا التزويج، وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وغيرهم، وقد روي عن مجاهد أنه قال : إحصان الأَمَة أن ينكحها الحر، وإحصان العبد أن ينكح الحرة، وكذا روي عن ابن عباس رواهما ابن جرير في تفسيره، وقيل : معنى القراءتين متباين، فمن قرأ ﴿ أُحْصِنَّ ﴾ بضم الهمزة فمراده التزويج، ومن قرأ بفتحها فمراده الإسلام، اختاره أبو جعفر بن جرير في تفسيره وقرره ونصره؛ والأظهر والله أعلم : أن المراد بالإحصان هاهنا التزويج، لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات ﴾، والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله :﴿ فَإِذَآ أُحْصِنَّ ﴾ أي تزوجن كما فسره ابن عباس وغيره.


الصفحة التالية
Icon