وفي لفظ :« وجعل ترابها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء » قالوا فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان، فلو كان غيره يقوم مقام لذكره معه، والطيب هاهنا : قيل الحلال، وقيل الذي ليس بنجس.
وقوله تعالى :﴿ فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ﴾ التيمم بدل عن الوضوء في التطهير به، لا أنه بدل منه في جميع أعضائه، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع، ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال : أحدها - وهو مذهب الشافعي في الجديد - أنه يجب أن يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين، لأن لفظ اليدين يصدق إطلاقها على ما يبلغ المنكبين وعلى ما يبلغ المرفقين كما في آية الوضوء، ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين كما في آية السرقة :﴿ فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ]، قالو : وحمل ما أطلق هاهنا على ما قيد في آية الوضوء أولى لجامع الطهورية، وذكر بعضهم ما رواه الدار قطني عن ابن عمر قال، قال رسول الله ﷺ :« التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين » والقول الثاني : أنه يجب مسح الوجه واليدين إلى الكفين بضربتين، وهو قول الشافعي في القديم، والثالث أنه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة لما روي أن رجلاً أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء؛ فقال عمر : لا تصل. قال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فلما أتينا النبي ﷺ ذكرت ذلك له، فقال :« إنما كان يكفيك وضرب النبي ﷺ بيده الأرض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه » ؟. ( طريق أخرى ) : قال أحمد عن سليمان الأعمش، حدثنا شقيق قال : كنت قاعداً مع ( عبد الله ) و ( أبي موسى ) فقال أبو يعلى لعبد الله : لو أن رجلاً لم يجد الماء، لم يصلِّ؟ فقال عبد الله ألا تذكر ما قال عمار لعمر؟ ألا تذكر إذ بعثني رسول الله ﷺ وإياك في إبل فأصابتني جنابة فتمرغت في التراب، فلما رجعت إلى رسول الله ﷺ أخبرته، فضحك رسول الله ﷺ وقال :« إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بكفيه إلى الأرض، ثم مسح كفيه جميعاً، ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة » ؟ فقال عبد الله : لا جرم ما رأيت عمر قنع بذلك، قال، فقال له أبو موسى : فيكف بهذه الآية في سورة النساء :﴿ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً ﴾ ؟ قال : فما درى عبد الله ما يقول. وقال : لو رخصنا لهم في التيمم لأوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم.


الصفحة التالية
Icon