« اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله ﷺ فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها » وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ المحض في وجوب الدية، لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثاً لشبهة العمد.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر، قال : بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتلهم، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فرفع يديه، وقال :« اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد »، وبعث علياً فودى قتلاهم، وما أتلف من أمولاهم حتى ميلغة الكلب، وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطا الإمام أو نائبه يكون في بيت المال، وقوله :﴿ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ﴾ أي فتجب فيه الدية مسلمة إلى أهله إلا أن يتصدقوا بها فلا تجب، وقوله :﴿ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ﴾ أي إذا كان القتيل مؤمناً، ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب فلا دية لهم على القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير.
وقوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ ﴾ الآية أي فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة فلهم دية قتيلهم، فإن كان مؤمناً فيدة كاملة وكذا إن كان كافراً أيضاً عند طائفة من العلماء، وقيل : يجب في الكافر نصف دية المسلم، وقيل : ثلثها كما هو مفصل في كتاب الأحكام، ويجب أيضاً على القاتل تحرير رقبة مؤمنة، ﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾ أي لا إفطار بينهما، بل يسرد صومهما إلى آخرهما، فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس استأنف، واختلفوا في السفر هل يقطع أم لا على قولين، وقول :﴿ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً ﴾ أي هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين، واختلفوا فيمن لا يستطيع الصيام، هل يجب عليه إطعام ستين مسكيناً كما في كفارة الظهار؟ على قولين : أحدهما : نعم، كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار، وإنما لم يذكر هاهنا لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير، فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص، والقول الثاني : لا يعدل إلى الطعام لأنه لو كان واجباً لما أخر بيانه عن وقت الحاجة، ﴿ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً ﴾ قد تقدم تفسيره غير مرة، ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ شرع في بينا حكم القتل العمد، فقال :﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ﴾ الآية، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان :