وقد حكى ابن جرير الإجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لم يكن له أمان، وإن أمَّ البيت الحرام أو بيت المقدس، وأن هذا الحكم منسوخ في حقهم، والله أعلم. فأما من قصده بالإلحاد فيه والشرك عنده والكفر به فهذا يمنع، قال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ﴾ [ التوبة : ٢٨ ]، ولهذا بعث رسول الله ﷺ عام تسع لما أمَّر الصديقُ على الحجيج علياً، وأمره أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله ﷺ ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وقال ابن عباس قوله :﴿ ولا آمِّينَ البيت الحرام ﴾ : يعني من توجه قِبَل البيت الحرام، فكان المؤمنون والمشركون يحجون، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحداً من مؤمن أو كافر، ثم أنزل الله بعدها :﴿ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] الآية، وقال تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ﴾ [ التوبة : ١٧ ] وقال :﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر ﴾ [ التوبة : ١٨ ] فنفى المشركين من المسجد الحرام. وقال قتادة في قوله ﴿ وَلاَ القلائد ولا آمِّينَ البيت الحرام ﴾ قال : منسوخ. كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من الشجر، فلم يعرض له أحد، فإذا رجع تقلد قلادة من شعر، فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت، فنسخها قوله :﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ].
وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا ﴾ أي إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه، فقد أبحنا لكم ما كان محرماً عليكم في حال الإحرام من الصيد، وهذا أمر بعد الحظر، وقوله :﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ ﴾ أي لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلماً وعدواناً بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد، وهذه الآية كما سيأتي من قوله :﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ]، وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدل به قامت السماوات والأرض. وقال ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم قال : كان رسول الله ﷺ بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة، فقال أصحاب النبي ﷺ : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم، فأنزل الله هذه الآية. والشنآن : هو البغض، قاله ابن عباس وغيره، وهو مصدر من شنأته أشنؤه شنآناً بالتحريك، وقال ابن جرير : من العرب من يسقط التحريك في شنآن فيقول : شنان، ولم أعلم أحداً قرأ بها ومنه قول الشاعر :