وقوله تعالى :﴿ اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ ﴾ قال ابن عباس : يعني يئسوا أن يراجعوا دينهم، وكذا روي عن عطاء ومقاتل وعلى هذا المعنى يرد الحديث الثابت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال :« إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم » ويحتمل أن يكون المراد أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين لما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله، ولهذا قال تعالى آمراً لعباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ولا يخافوا أحداً إلاّ الله، فقال :﴿ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون ﴾ أي لا تخافوهم في مخالفتكم إياهم واخشوني أنصركم عليهم وأوؤيدكم وأظفركم بهم، وأشف صدوركم منهم، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة. وقوله :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلاّ ما أحله ولا حرام إلاّ ما حرمه، ولا دين إلاّ ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى :﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾ [ الأنعام : ١١٥ ] أي صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي. فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ أي فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه، وقال ابن عباس قوله :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ وهو الإسلام أخبر الله نبيه ﷺ والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً. وقال السدي : نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام. وقال ابن جرير : مات رسول الله ﷺ بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً.
لما نزلت ﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ وذلك يوم الحج الأكبر بكى عمر، فقال له النبي ﷺ :« ما يبكيك »؟ قال أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أكمل فإنه لم يكمل شيء إلاّ نقص، فقال :« صدقت »، ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت :


الصفحة التالية
Icon