« يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال :» إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بها بقلاً فشأنكم بها «، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين ومعنى قوله :» ما لم تصطبحوا « يعني به الغداء » وما لم تغتبقوا « يعني به العشاء » أو تحتفئوا بقلاً فشأنكم بها « فكلوا منها. وقال ابن جرير : يروى هذا الحرف يعني قوله » أو تحتفئوا « على أربعة أوجه : تحتفئوا بالهمزة، وتحتفيوا : بتخفيف الياء والحاء، وتحتفوا بتشديد الفاء، وتحتفوا بالحاء والتخفيف ويحتمل الهمز، كذا رواه في التفسير. ( حديث آخر ) : قال أبو داود عن النجيع العامري أنه أتى رسول الله ﷺ فقال : ما يحل لنا من الميتة؟ قال :» ما طعامكم؟ « قلنا : نصطبح ونغتبق. قال أبو نعيم : فسره لي عقبة، قدح غدوة وقدح عشية، قال : ذاك وأبي الجوع، وأحل لهم الميتة على هذه الحال. تفرد به أبو داود، وكأنهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئاً لا يكفيهم، فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم، وقد يحتج به من يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حد الشبع، ولا يتقيد ذلك بسد الرمق والله أعلم. ( حديث آخر ) : قال أبو داود عن جابر عن سمرة : أن رجلاً نزل الحرة ومعه أهل وولده، فقال له رجل : إن ناقتي ضلت فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها ولم يجد صاحبها، فمرضت فقالت له امرأته : انحرها، فأبى، فنفقت، فقالت له امرأته : أسلخها حتى تقدد شحمها ولحمها فنأكله، قال : لا، حتى أسأل رسول الله ﷺ، فأتاه فسأله، فقال :» هل عندك غنى يغنيك « قال : لا، قال :» فكلوها «، قال : فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال : هلا كنت نحرتها؟ قال : استحييت منك. وقد يحتج به من يجوز الأكل والشبع والتزود منها مدة يغلب على ظنه الإحتياج إليها، والله أعلم. وقوله :﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ ﴾ أي متعاط لمعصية الله، فإن الله قد أباح ذلك له، وسكت عن الآخر، كما قال في سورة البقرة :﴿ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الآية : ١٧٣ ]، وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر لأن الرخص لا تنال بالمعاصي، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon