لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها، إما في بدنه أو في دينه أو فيهما، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال تعالى :﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ [ الأنعام : ١١٩ ] قال بعدها :﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات ﴾ كما في سورة الأعراف في صفة محمد ﷺ أنه يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث. قال ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول الله ﷺ فقالا : يا رسول الله قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت :﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات ﴾ قال سعيد : يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم. وقال مقاتل : الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق. وقوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ ﴾ أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح وهي :( الكلاب والفهود والصقور وأشباهها )، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة، وممن قال ذلك ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ ﴾، وهن الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد، والجوارح يعني الكلاب الضواري، والفهود والصقور وأشباهها. رواه ابن أبي حاتم، وروي عن الحسن أنه قال : البازي والصقر من الجوارح، ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله، وقرأ قوله :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ ﴾، ثم قال : أخبرنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال : أما ما صاد من الطير البازات وغيرها من الطير فما أدركت فهو لك وإلاّ فلا تطعمه. قلت : والمحكي عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب فلا فرق، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، واختاره ابن جرير. واحتج في ذلك بما رواه عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله ﷺ عن صيد البازي فقال :« ما أمسك عليك فكل »، وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح : من الجرح وهو الكسب، كما تقول العرب : فلان جرح أهله خيراً أي كسبهم خيراً، ويقولون. فلان لا جارح له أي لا كاسب له، وقال الله تعالى :﴿ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ﴾ [ الأنعام : ٦٠ ] أي ما كسبتم من خير وشر، وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ :« أن رسول الله ﷺ أمر بقتل الكلاب، فقلت، فجاء الناس فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فسكت؛ فأنزل الله :﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ ﴾ الآية، فقال النبي ﷺ : إذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه فليأكل ما لم يأكل ».


الصفحة التالية
Icon