قال كثيرون من السلف في قوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة ﴾ يعني وأنتم محدثون، وقال آخرون إذا قمتم من النوم إلى الصلاة وكلاهما قريب. وقال آخرون : بل المعنى أعم من ذلك، فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ولكن هو في حق المحدث واجب، وفي حق المتطهر ندب، وكان النبي ﷺ يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر : يا رسول الله إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال :« إني عمداً فعلته يا عمر » رواه مسلم وأهل السنن.
وقال ابن جرير عن الفضل بن المبشر قال : رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد، فإذا بال أو أحدث توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين، فقلت : أبا عبد الله أشيء تصنعه برأيك؟ قال : بل رأيت النبي ﷺ يصنعه فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله يصنعه، وفي فعل ابن عمر ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة دلالة على استحباب ذلك كما هو مذهب الجمهور.
وكان علي رضي الله عنه يتوضأ عند كل صلاة ويقرأ هذه الآية :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة ﴾ الآية.
وقال ابن جرير عن أنس قال : توضأ عمر بن الخطاب وضوءاً فيه تجوز خفيفاً فقال : هذا وضوء من لم يحدث، وهذا إسناد صحيح. وقال محمد بن سيرين : كان الخلفاء يتوضأون لكل صلاة، أما مشروعيته استحباباً فقد دلت السنّة على ذلك، فعن أنس بن مالك قال : كان النبي ﷺ يتوضأ عند كل صلاة، قال : قلت : فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال : كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث. وقد رواه البخاري وأهل السنن. وقال ابن جرير عن ابن عمر قال، قال رسول الله ﷺ :« من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ».
وقال ابن جرير، وقد قال قوم : إن هذه الآية نزلت إعلاماً من الله أن الوضوء لا يجب إلاّ عند القيام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال، وذلك لأنه عليه السلام كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتى يتوضأ، وعن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال : كان رسول الله ﷺ إذا أراق البول نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا، حتى نزلت آية الرخصة :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة ﴾ الآية، وقال أبو داود عن عبد الله بن عباس :« أن رسول الله ﷺ خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا : ألا نأتيك بوضوء؟ فقال :» إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة «