وقوله :﴿ فاغسلوا وُجُوهَكُمْ ﴾ قد استدل طائفة من العلماء بقوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ ﴾ على وجوب النية في الوضوء، لأن تقدير الكلام : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم لها، كما تقول العرب إذا رأيت الأمير فقم، . أي له. وقد ثبت في الصحيحين حديث :« الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى »، ويستحب قبل غسل الوجه أن يذكر اسم الله تعالى على وضوئه، لما ورد في الحديث من طرق جيدة عن جماعة من الصحابة، عن النبي ﷺ أنه قال :« لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه »، ويستحب أن يغسل كفيه قبل إدخالهما في الإناء، ويتأكد ذلك عند القيام من النوم، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده » وحد الوجه عند الفقهاء ما بين منابت شعر الرأس، ولا اعتبار بالصلع ولا بالغمم إلى منتهى اللحيين والذقن طولاً، ومن الإذن إلى الإذن عرضاً، ويستحب للمتوضىء أن يخلل لحيته إذا كانت كثيفة.
قال أبو داود عن أنس بن مالك :« أن رسول الله ﷺ كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه يخلل به لحيته، وقال :» هكذا أمرني به ربي عزَّ وجلَّ « قال البيهقي : وروينا في تخليل اللحية عن عمار وعائشة وأم سلمة عن النبي ﷺ، وروينا في الرخصة في تركه عن ابن عمر والحسن بن علي، وقد ثبت عن النبي ﷺ من غير وجه في الصحاح وغيرها أنه كان إذا توضأ تمضمض واستنشق، فاختلف الأئمة في ذلك، هل هما واجبان في الوضوء والغسل كما هو مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله، أو مستحبان فيهما كما هو مذهب الشافعي ومالك، أو يجبان في الغسل دون الوضوء، كما هو مذهب أي حنيفة، أو يجب الاستنشاق دون المضمضة كما هو رواية عن الإمام أحمد، لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال :» من توضأ فليستنشق «، وفي رواية :» إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء ثم لينثر « والانتثار هو المبالغة في الاستنشاق.
وقال الإمام أحمد عن ابن عباس : أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنثر، ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا، يعني أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح رأسه ثم أخذ غرفة من ماء ثم رش على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها رجله اليسرى ثم قال : هكذا رأيت رسول الله يعني يتوضأ.