ورواه البخاري. وقوله :﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق ﴾ أي مع المرافق كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ﴾ [ النساء : ٢ ] ويستحب للمتوضىء أن يشرع في العضد فيغسله مع ذراعيه لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل » وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت خليلي يقول :« تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ».
وقوله تعالى :﴿ وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ ﴾ اختلفوا في هذه الباء هل هي للإلصاق وهو الأظهر أو للتبعيض؟ وفيه نظر على قولين ومن الأصوليين من قال : هذا مجمل فليرجع في بيانه إلى السنة. وقد ثبت في الصحيحين عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد بن عاصم - وهو جد عمرو بن يحيى وكان من أصحاب النبي ﷺ - : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد : نعم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين ثم مضمض واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه.
وروى أبو داود عن معاوية والمقداد بن معد يكرب في صفة وضوء رسول الله ﷺ مثله ففي هذه الأحاديث دلالة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميع الرأس كما هو مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل لا سيما على قول من زعم أنها خرجت مخرج البيان لما أجمل في القرآن. وقد ذهب الحنفية إلى وجوب ربع الرأس وهو مقدار الناصية وذهب أصحابنا إلى أنه إنما يجب ما يطلق عليه اسم مسح ولا يتقدر ذلك بحد بل لو مسح بعض شعرة من راسه أجزأه لحديث المغيرة بن شعبة قال : تخلف النبي فتخلفت معه فلما قضى حاجته قال : هل معك ماء؟ فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه فغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه. وذكر باقي الحديث وهو في صحيح مسلم وغيره ثم اختلفوا في أنه هل يستحب تكرار مسح الرأس ثلاثاً كما هو المشهور من مذهب الشافعي أو إنما يستحب مسحة واحدة كما هو مذهب أحمد بن حنبل ومن تابعه لحديث حمران بن أبان قال : رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم مسح براسه ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً ثم اليسرى ثلاثاً مثل ذلك ثم قال : رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال :