يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وكليمه ( موسى بن عمران ) عليه السلام، فيما ذكر به قومه من نعم الله عليه وآلائه لديهم في جمعه لهم خير الدنيا والآخرة لو استقاموا على طريقتهم المستقيمة، فقال تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ ﴾، أي كلما هلك نبي قام فيكم نبي من لدن أبيكم إبراهيم إلى من بعده، وكذلك كانوا لا يزال فيهم الأنبياء يدعون إلى الله، ويحذرون نقمته حتى ختموا بعيسى ابن مريم عليه السلام، ثم أوحى الله إلى خاتم الأنبياء والرسل على الإطلاق محمد بن عبد الله المنسوب إلى إسماعيل ابن إبراهيم عليه السلام وهو أشرف من كل من تقدمه منهم ﷺ. وقوله :﴿ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً ﴾ قال عبد الرزاق عن ابن عباس في قوله ﴿ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً ﴾ قال : الخادم والمرأة والبيت وعنه قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سمي ملكاً. وقال ابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص وساله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم، قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم، قال : فأنت من الأغنياء. فقال : إن لي خادماً، قال : فأنت من الملوك. وقال الحسن البصري : هل الملك إلاّ مركب وخادم ودار، ورواه ابن جرير. وقال السدي قي قوله ﴿ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً ﴾ قال : يملك الرجل منكم نفسه وماله وأهله، وقد ورد في الحديث :« من أصبح منكم معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنهما حيزت له الدنيا بحذافيرها ».
وقوله تعالى :﴿ وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن العالمين ﴾ يعني عالمي زمانكم، فإنهم كانوا أشرف الناس في زمانهم من اليونان والقبط وسائر أصناف بني آدم كما قال :﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين ﴾ [ الجاثية : ١٦ ]. وقال تعالى إخباراً عن موسى :﴿ قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إلها وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين ﴾ [ الأعراف : ١٤٠ ] والمقصود أنهم كانوا أفضل أمم زمانهم، وإلا فهذه الأمة أشرف منهم، وأفضل عند الله، وأكمل شريعة، وأقوم منهاجاً، وأكرم نبياً، وأعظم ملوكاً، وأغزر أرزاقاً، وأكثر أموالاً وأولاداً، وأوسع مملكة، وأدوم عزاً. قال الله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ]. وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمة وشرفها وكرمها عند الله عند قوله تعالى :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ]، وقيل : المراد ﴿ وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن العالمين ﴾ يعني بذلك ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى، ويظللهم به من الغمام، وغير ذلك مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات، فالله أعلم. ثم قال تعالى مخبراً عن تحريض موسى عليه السلام لبني إسرائيل على الجهاد، والدخول إلى بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب، لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد مصر أيام يوسف عليه السلام ثم لم يزالوا بها، حتى خرجوا مع موسى، فوجدوا فيها قوماً من العمالقة الجبارين قد استحوذوا عليها وتملكوها، فأمرهم رسول الله موسى عليه السلام بالدخول إليها، وبقتال أعدائهم، وبشرهم بالنصر والظفر عليهم، فنكلوا بالذهاب وعصوا وخالفوا أمره، فعوقبوا في التيه، والتمادي في سيرهم حائرين لا يدرون كيف يتوجهون فيه إلى مقصد مدة أربعين سنة، عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى، فقال تعالى مخبراً عن موسى أنه قال :﴿ يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ ﴾ أي المطهرة.


الصفحة التالية
Icon