وقوله تعالى :﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين ﴾ أي فحسنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه فقتله أي بعد هذه الموعظة، وهذا الزجر. وقد تقدم أنه قتله بحديدة في يده، وقال السدي :﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ﴾ فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يوماً من الأيام، وهن يرعى غنماً له، وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء. رواه ابن جرير. وعن بعض أهل الكتاب أنه قتله خنقاً وعضاً كما تقتل السباع. وقال ابن جرير : لما أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه، فأخذ إبليس دابة ووضع رأسها على حجر ثم أخذ حجراً آخر فضرب به رأسها حتى قتلها، وابن آدم ينظر، ففعل بأخيه مثل ذلك. وقال عبد الله ابن وهب : أخذ برأسه ليقتله فاضطجع له وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله، فجاءه إبليس فقال : أتريد أن تقتله قال : نعم قال : فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه، قال : فأخذها فألقاها عليه فشدخ رأسه، ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعاً، فقال : يا حواء إن قابيل قتل هابيل فقالت له : ويحك وأي شيء يكون القتل؟ قال : لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك، قالت : ذلك الموت؟ قال : فهو الموت، فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصيح، فقال : مالك؟ فلم تكلمه فرجع إليها مرتين فلم تكلمه، فقال : عليك الصيحة وعلى بناتك، وأنا وبني منها برآء. رواه ابن أبي حاتم. وقوله :﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين ﴾ أي في الدنيا والآخرة وأي خسارة أعظم من هذه. عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله ﷺ :« لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل »، وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود.
وقوله تعالى :﴿ فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين ﴾ قال السدي : لما مات الغلام تركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن، فبعث الله غرابين أخوين، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثى عليه، فلما رآه قال :﴿ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ﴾ ؟ وقال ابن عباس : جاء غراب إلى غراب ميت فبحث عليه من التراب حتى وراه، فقال الذي قتل أخاه ﴿ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ﴾، وقال الضحاك عن ابن عباس : مكث يحمل أخاه في جراب على عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابين فرآهما يبحثان فقال :﴿ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب ﴾ فدفن أخاه. وزعم أهل التوراة أن قابيل لما قتل أخاه هابيل قال له الله عزَّ وجلَّ : يا قابيل أين أخوك هابيل؟ قال : ما أدري ما كنت عليه رقيباً، فقال الله : إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض الآن، أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها، فتلقت دم أخيك من يدك، فإن أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها، حتى تكون فزعاً تائهاً في الأرض.