وفي لفظ : وألقوا في الحرة فجعلوا يستسقون فلا يسقون، وعند البخاري، قال أبو قلابة : فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
وقال حماد بن سلمة عن أنس بن مالك : أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله ﷺ في إبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا، فصحوا، فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، فأرسل رسول الله ﷺ في آثارهم، فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، وألقاهم في الحرة؛ قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشاً حتى ماتوا، ونزلت :﴿ إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ ﴾ الآية. وقد رواه ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : ما ندمت على حديث ما ندمت على حديث سألني عنه الحجاج، قال : أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله ﷺ ؟ قال : قلت : قدم على رسول الله ﷺ قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول الله ﷺ ما لقوا من بطونهم، وقد اصفرت ألوانهم، وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم، عمدوا إلى الراعي فقتلوه، واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله ﷺ في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا، فكان الحجاج إذا صعد المنبر يقول : إن رسول الله ﷺ قطع أيدي قوم وأرجلهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا، بحال ذود من الإبل، فكان الحجاج يحتج بهذا الحديث على الناس.
وقد اعتنى الحافظ الجليل أبو بكر بن مردويه بتطريق هذا الحديث من وجوه كثيرة جداً فرحمه الله وأثابه. وقال ابن جرير : كان أناس أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : نبايعك على الإسلام، فبايعوه وهم كذبة وليس الإسلام يريدون، ثم قالوا : إنا نجتوي المدينة، فقال النبي ﷺ : هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح، فاشربوا من أبوالها وألبانها، قال : فبينما هم كذلك إذا جاءهم الصريخ، فصرخ إلى رسول الله ﷺ فقال : قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، فأمر النبي ﷺ فنودي في الناس :« أن يا خيل الله اركبي » قال : فركبوا، لا ينتظر فارس فارساً، قال : وركب رسول الله ﷺ على أثرهم، فلم يزالوا يطلبونهم، حتى أدخلوهم مأمنهم، فرجع صحابة رسول الله ﷺ وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبي ﷺ، فأنزل الله :﴿ إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ ﴾ الآية، قال : فكان نفيهم أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم ونفوهم من أرض المسلمين، وقتل نبي الله ﷺ منهم، وصلب، وقطع، وسمر الأعين، قال : فما مثل رسول الله ﷺ قبل ولا بعد، قال : ونهى عن المثلة، وقال :« ولا تمثلوا بشيء ».