وقد اختلف الأئمة في حكم هؤلاء العرنيين هل هو منسوخ أو محكم؟ فقال بعضهم : هو منسوخ بهذه الآية، وزعموا أن فيها عتاباً للنبي ﷺ، ومنهم من قال : هو منسوخ بنهي النبي ﷺ عن المثلة، وهذا القول فيه نظر. ثم قائله مطالب ببيان تأخر الناسخ الذي ادعاه عن المنسوخ، وقال بعضهم : كان هذا قبل أن تنزل الحدود، وفيه نظر، فإن قصته متأخرة. ومنهم من قال : لم يسمل النبي ﷺ أعينهم، وإنما عزم على ذلك حتى نزل القرآن فبين حكم المحاربين، وهذا القول أيضاً فيه نظر. فإنه قد تقدم في الحديث المتفق عليه أنه سمل، وفي رواية سمر أعينهم.
ثم قد احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وفي السبلان على السواء لقوله :﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً ﴾، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتاً فيقتله ويأخذ ما معه : إن هذه محاربة ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول، ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا تكون المحاربة إلاّ في الطرقات، فأما في الأمصار فلا، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث، بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه. وقوله تعالى :﴿ أَن يقتلوا أَوْ يصلبوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ﴾ قال ابن عباس في الآية : من شهَرَ السلاح في فئة الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظُفِرَ به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك، ومستند هذا القول أن ظاهر ( أو ) للتخيير كما في نظائر ذلك في القرآن، كقوله في كفارة الفدية :