وقوله تعالى :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ ﴾ يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة من غير المثل عدلان من المسلمين، واختلف العلماء في القاتل هل يجوز أن يكون أحد الحكمين على قولين ( أحدهما ) : لا، لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه وهذا مذهب مالك، ( والثاني ) : نعم لعموم الآية وهو مذهب الشافعي وأحمد، قال ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران : أن أعرابياً أتى أبا بكر فقال : قتلت صيداً وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه لأبي بن كعب وهو جالس عنده : ما ترى فيها؟ قال فقال الأعرابي : أتيتك وأنت خليفة رسول الله ﷺ أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر : وما تنكر؟ يقول الله تعالى :﴿ فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ ﴾، فشاورت صاحبي، حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به. فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابياً جاهلاً، وإنما دواء الجهل التعليم. وقال ابن جرير عن أبي وائل. أخبرني ابن جرير البجلي قال : اصبت ظبياً وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال : ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك، فأتيت عبد الرحمن وسعداً فحكما علي بتيس أعفر.
واختلفوا : هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل، وإن كان قد حكم في مثله الصحابة، أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين : فقال الشافعي وأحمد : يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة وجعلاه شرعاً مقرراً لا يعدل عنه وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين، وقال مالك وابو حنيفة : بل يجب الحكم في كل فرد فرد سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا لقوله تعالى :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ ﴾. وقوله تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ أي واصلاً إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أم متفق عليه في هذه الصورة.