يقول الله تعالى لرسوله ﷺ قل لهؤلاء المكذبين المعاندين ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ﴾ أي سلبكم إياها كما أعطاكموها، كما قال تعالى :﴿ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار ﴾ [ الملك : ٢٣ ] الآية، ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما الانتفاع الشرعي، ولهذا قال :﴿ وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ ﴾، كما قال :﴿ أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار ﴾ [ يونس : ٣١ ] وقال :﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ ﴾ [ الأنفال : ٢٤ ] وقوله :﴿ مَّنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾ أي هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه الله منكم؟ لا يقدر على ذلك أحد سواه، ولهذا قال :﴿ انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات ﴾ أي نبينها ونوضحها ونفسرها دالة على أنه لا إله إلا الله، وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال، ﴿ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ أي ثم هم مع البيان يصدفون، أي يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه. قال ابن عباس : يصدفون أي يعدلون. وقال مجاهد وقتادة : يعرضون، وقال السدي : يصدون. وقوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً ﴾ أي وأنتم لا تشعرون به حتى بغتكم وفجأكم، ﴿ أَوْ جَهْرَةً ﴾ أي ظاهراً عياناً، ﴿ هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون ﴾ أي إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقوله :﴿ وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ أي مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات، ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات، ولهذا قال :﴿ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ ﴾ أي فمن آمن قلبه بما جاءوا به وأصلح عمله باتباعه إياهم ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ أي بالنسبة لما يستقبلونه، ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها، الله وليهم فيما خلفوه، وحافظهم فيما تركوه، ثم قال :﴿ والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ العذاب بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ أي ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل، وخرجوا عن أوامر الله وطاعته، وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته.


الصفحة التالية
Icon