يقول الله تعالى لرسوله ﷺ :﴿ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ﴾ أي لستُ أملكها ولا أتصرف فيها، ﴿ ولا أَعْلَمُ الغيب ﴾ أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما ذاك من علم الله عزَّ وجلَّ، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه، ﴿ ولا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ أي ولا أدعي أني ملك، إنما أنا بشر من البشر يوحى إليَّ من الله عزَّ وجلَّ، شرفني بذلك وأنعم عليّ به، ولهذا قال :﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ ﴾ أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه، ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير ﴾ أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له ﴿ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ ؟ وهذه كقوله تعالى :﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب ﴾ [ الرعد : ١٩ ]. وقوله :﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الذين يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد، ﴿ إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٥٧ ]، ﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ﴾ [ الرعد : ٢١ ]، ﴿ الذين يَخَافُونَ أَن يحشروا إلى رَبِّهِمْ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ لَيْسَ لَهُمْ ﴾ أي يومئذٍ ﴿ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلاّ الله عزَّ وجلَّ ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ فيعملون في هذه الدار عملاً ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك، كقوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ [ الكهف : ٢٨ ]، وقوله :﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ أي يعبدونه ويسألونه ﴿ بالغداة والعشي ﴾، قال سعيد ابن المسيب : المراد به الصلاة المكتوبة، وهذا كقوله :﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ] أي أتقبل منكم، وقوله :﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات وقوله :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ ﴾، كقول نوح عليه السلام في جواب الذين ﴿ قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ [ الشعراء : ١١١-١١٣ ] أي إنما حسابهم على الله عزَّ وجلَّ، وليس عليّ من حسابهم من شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء، وقوله :﴿ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين ﴾ أي إن فعلت هذا والحالة هذه.


الصفحة التالية
Icon