روى ابن جرير عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش برسول الله ﷺ وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد : أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك، فنزلت هذه الآية :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾، ﴿ وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ إلى آخر الآية، وقال ابن أبي حاتم عن خباب في قول الله عزَّ وجلَّ :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله ﷺ مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي ﷺ حقّروهم في نفر من أصحابه فأتوه فخلوا به، وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا : فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال :« نعم »، قالوا : فاكتب لنا عليك كتاباً، قال : فدعا بصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية، فنزل جبريل فقال :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ الآية، فرمى رسول الله ﷺ بالصحيفة من يده، ثم دعانا فأتيناه. وقال سعد نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي ﷺ، منهم ابن مسعود قال : كنا نستبق إلى رسول الله ﷺ وندنو منه، فقالت قريش : تدني هؤلاء دوننا، فنزلت :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي ابتلينا واختبرنا، وامتحنا بعضهم ببعض ﴿ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ ﴾، وذلك أن رسول الله ﷺ كان غالب من اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، كما قال نوح لنوح :﴿ وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرأي ﴾ [ هود : ٢٧ ] الآية، وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل فقال له فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقال : بل ضعفاؤهم، فقال : هم أتباع الرسل، والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون : أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير لو كان ما صاروا إليه خيراً ويدعنا كقولهم :﴿ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾ [ الأحقاف : ١١ ] وكقوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بينات قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾


الصفحة التالية
Icon