يقول تعالى : وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد، ﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيات ﴾ أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها، ﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين ﴾ أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل، وقوله :﴿ قُلْ إِنِّي على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي ﴾ أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إليّ، ﴿ وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾ أي بالحق الذي جاءني من الله، ﴿ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ أي من العذاب، ﴿ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ ﴾ أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة، ولهذا قال :﴿ يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين ﴾ أي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاصلين في الحكم بين عباده، وقوله :﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ أي لو كان مرجع ذلك إليّ لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك، والله أعلم بالظالمين. فإن قيل : فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله ﷺ :« يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد؟ فقال :» لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ( ابن عبد ياليل بن عبد كلال ) فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلاّ بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال : فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال رسول الله ﷺ :« بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً »، فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأنى بهم، وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً، فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ والله أَعْلَمُ بالظالمين ﴾ ؟ فالجواب - والله أعلم - أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم. وأما الحديث فليس فيه إنهم سألوه وقوع العذاب بهم بل عرض عليه ملك الجبال، أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً، فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم.


الصفحة التالية
Icon