، ولهذا شاهد في القرآن قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨، ١١٦ ]، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود :« من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ». والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً، وعن عبادة بن الصامت قال : أوصانا رسول الله ﷺ بسبع خصال :« ألا تشركوا بالله شيئاً وإن حرقتم وقطعتم وصلبتم »، وقوله تعالى :﴿ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ أي أوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً أي أن تحسنوا إليهم، كما قال تعالى :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ]، والله تعالى كثيراً ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال :﴿ أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير ﴾ [ لقمان : ١٤ ]، فأمر بالإحسان إليهما وإن كانا مشركين بحسبهما، وقال تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ [ البقرة : ٨٣ ] والآيات في هذا كثيرة.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : سألت رسول الله ﷺ : أي العمل أفضل؟ قال :« الصلاة على وقتها » قلت : ثم أيّ؟ قال :« بر الوالدين » قلت : ثم أيّ؟ قال :« الجهاد في سبيل الله »، قال ابن مسعود : حدثني بهن رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني. وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد، عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد فقال تعالى :﴿ وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ ﴾، وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه سأل رسول الله ﷺ :« أي الذنب أعظم؟ قال :» أن تجعل لله نداً وهو خلقك « قلت : ثم أي؟ قال :» أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك «، قلت : ثم أي؟ قال :» أن تزاني حليلة جارك « ثم تلا رسول الله ﷺ :﴿ والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] » الآية. وقوله تعالى :﴿ مِّنْ إمْلاَقٍ ﴾، قال ابن عباس : هو الفقر أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة الإسراء :﴿ وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ ﴾ أي لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الآجل، ولهذا قال هناك :﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ﴾ [ الإسراء : ٣١ ] فبدأ برزقهم للاهتمام بهم أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله وأما هنا فلما كان الفقر حاصلاً قال :﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ لأنه الأهم هاهنا والله أعلم.