﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾ [ التغابن : ٢ ] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً، قلت : ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في « صحيح البخاري » :« فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل يعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة ».
وعن سهل بن سعد قال، قال رسول الله ﷺ :« إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم » وفي الحديث :« يبعث كل عبد على ما مات عليه » قلت : ولا بد من الجمع بين هذا القول إن كان هو المراد من الآية وبين قوله تعالى :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا ﴾ [ التغابن : ٣٠ ]، وما جاء في « الصحيحين » عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » ووجه الجمع على هذا : أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر في ثاني الحال، وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده والعلم بأنه لا إله غيره، كما أخذ عليهم الميثاق بذلك، وجعله في غرائزهم وفطرهم، ومع هذا قدر أن منهم شقياً ومنهم سعيداً، ﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾ [ التغابن : ٢ ]، وفي الحديث :« كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعنقها أو موبقها » وقدر الله تعالى بريته، فإنه هو :﴿ والذي قَدَّرَ فهدى ﴾ [ الأعلى : ٣ ] و ﴿ الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ [ طه : ٥٠ ]، وفي « الصحيحين » :« فأما من كان منكم من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة، فسييسر لعمل أهل الشقاوة »، ولهذا قال تعالى :﴿ فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة ﴾، ثم علل ذلك فقال :﴿ إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الله ﴾ الآية.