قال الطبري : اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله :﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ﴾ فقال بعضهم شبهبه في الصلاح للمؤمنين؛ والمعنى : أن الله تعالى يقول : كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها، فانتزعها الله منكم، فكان هذه هو المصلحة التامة لكم، كذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء وهم النفير الذين خرجوا لإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم على غير ميعاد رشداً وهدى، ونصراً وفتحاً، كما قال تعالى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢١٦ ]، وقال آخرون : معنى ذلك ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق ﴾ على كره من فريق من المؤمنين، كذلم هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم، قال مجاهد :﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ﴾ كذلك يجادلونك في الحق. وقال بعضهم : يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر، فقالوا : أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له. قلت : رسول الله ﷺ إنما خرج من المدينة طالباً لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش، فاستنهض رسول الله ﷺ المسلمين، فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً وجمع الله بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد، لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل، والغرض أن رسول الله ﷺ لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه، يعده إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير، ورغب كثير من المسلمين إلى العير، لأنه كسب بلا قتال، كما قال تعالى :﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ ﴾.
روى ابن أبي حاتم قال :« خرج رسول الله ﷺ إلى بدر، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال :» كيف ترون «؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا أنهم بمكان كذا وكذا، قال : ثم خطب الناس فقال :» كيف ترون «؟ فقال عمر : مثل قول أبي بكر، ثم خطب الناس فقال :» كيف ترون «؟ فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله إيانا تريد؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى :﴿ فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [ المائدة : ٢٤ ]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، ولعلك أن تكون خرجت لأمر، وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعد :﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ ﴾ »