وعن عمرو بن عنبسة « أن رسول الله ﷺ بهم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ثم قال :» ولا يحللي من غنمائمكم مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم « وقد كان للنبي ﷺ من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك، كما نص عليه محمد بن سيرين وعامر الشعبي، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء. وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ تنقل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أُحد، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت صفية من الصفي، وعن يزيد بن عبد الله قال : كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها :» من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي ﷺ، وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله «، فقلنا : من كتب لك هذا؟ فقال : رسول الله ﷺ. فهذه أحاديث تدل على تقرير هذا وثبوته؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات الله وسلامه عليه، وقال آخرون : إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء.
وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه الله : وهذا قول مالك وأكثر السلف وهو أصح الأقوال، فإذا ثبت هذا وعلم فقد اختلف أيضاً في الذي كان يناله عليه السلام من الخمس ماذا يصنع به من بعده؟ فقال قائلون : يكون لمن يلي الأمر من بعده، وقال آخرون : يصرف في مصالح المسلمين؛ وقال آخرون : بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، اختاره ابن جرير. وقال آخرون : بل سهم النبي ﷺ وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل، قال ابن جرير : وذلك قول جماعة من أهل العراق، وقيل : إن الخمس جميعه لذوي القربى، ثم اختلف الناس في هذين السهمين وفاة رسول الله ﷺ فقال قائلون : سهم النبي ﷺ يُسلّم للخليفة من بعده، وقال آخرون : لقرابة النبي ﷺ، وقال آخرون : سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.


الصفحة التالية
Icon