واعتب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن لعلمي البيان والمعاني مزيد اختصاص بعلم التفسير لأنهما وسيلة لإظهار خصائص البلاغة القرآنية، فكانا يسميان في القديم " علم دلائل الإعجاز". وأما علم البلاغة قال :"فيه يحصل انكشاف بعض المعاني واطمئنان النفس لها، وبه يترجح أحد الاحتمالين على الآخر في معاني القرآن". مثال ذلك، روى أئمة الأدب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - قرأ على المنبر قوله تعالى:" أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ" ثم قال ما تقولون فيها أي في معنى التخوف، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا، التخوف التنقص، فقال عمر: وهل تعرف العرب ذلك في كلامها؟ قال نعم قال أبو كبير الهذلي :
...... تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا...... كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (١) [١١]
فقال عمر:" عليكم بديوانكم لا تضلوا، هو شعر العرب فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم"، وعن ابن عباس " الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الذي أنزله الله بلغتهم رجعنا إلى ديوانهم فالتمسنا معرفة ذلك منهم". قال القرطبي سئل ابن عباس عن السِّنَةِ في قوله تعالى :﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾ فقال النعاس وأنشد قول زهير :
...... لا سِنَةَ في طُوال الليل تأخذه...... ولا ينام ولا في أمره فَنَدُ
كما يدخل في مادة الاستعمال العربي كل ما يؤثر عن بعض السلف في فهمهم لبعض معاني الآيات كما فهمت عائشة - رضي الله عنهم - وجوب الطواف بين الصفا والمروة من الآية ﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾.


الصفحة التالية
Icon