علّق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على هذه الطريقة في التفسير متوخيا الدليل العلمي وإرجاع المصطلحات إلى معناها وإثبات الحجة على من قال بالتفسير بالمأثور هو التفسير الذي يجب أن يكون على أن لا يكون غيره. ولا نستغرب ذهابه هذا المذهب في التفسير عندما نتفحص بالدليل والحجة والمنطق المعنى الذي حدده في التفسير بالرأي.
وقبل البداية نسوق التعريف الذي اعتمده أغلب العلماء القدامى وبعض الجدد في التفسير بالرأي :" هو ما يعتمد فيه المفسر في بيان المعنى على فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد – وليس منه الفهم الذي يتفق مع روح الشريعة، ويستند إلى نصوصها – فالرأي المجرد الذي لا شاهد له مدعاة للشطط في كتاب الله (١) [١٣].
وقبل أن يستغرق الشيخ ابن عاشور في الرد على هذا التعريف السائد، ساق الأحاديث الواردة عن النبي - ﷺ - في القول في القرآن بغير علم وما ورد عن أبي بكر - رضي الله عنهم - في القول في القرآن برأيه، ثم أثبت بالحجة أن تفسير القرآن الكريم بما أثر عن النبي - ﷺ - أو الصحابة وبعض التابعين لم يكن تفسيرا لكل الكتاب، وأن ما ورد من مدلولات الألفاظ والمفردات العربية في القرآن لا يعدوا أن يكون بضع الكلمات والمصطلحات وأن باقي القرآن هو من آراء المجتهدين من علماء الأمة.
فكيف السبيل إلى التوفيق إذن بين ما أقره ابن عاشور من الأحاديث النبوية الصحيحة ونهي أبي بكر - رضي الله عنهم - عن القول في القرآن برأيه، وأنه في نفس الوقت يعتمد التفسير بالرأي حسب وجهة نظره (٢) [١٤] ؟
الجواب أن تعريفه للتفسير بالرأي ليس كما اعتمده المحققون وكما أشرتُ سابقا، وأرجعَ الشبه التي نشأت من الآثار المروية في التحذير من التفسير بالرأي إلى خمسة وجوه :


الصفحة التالية
Icon