ثم في الرد على من قالوا بأن لا يعدو التفسير أن يكون إلا بما هو مأثور، أرجع ذلك إلى المراد بالمأثور عمن يؤثر، فإن كان المأثور ما روى النبي - ﷺ - من تفسير بعض الآيات – إن كان مرويا بسند مقبول من صحيح أو حسن – فقد ضيقوا سعة معاني القرآن وينابيع ما يستنبط من علومه، وأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقصروا أنفسهم على أن يرووا ما بلغهم من تفسير عن النبي - ﷺ -. وإن كان المأثور ما روي عن النبي - ﷺ - والصحابة - رضي الله عنهم - خاصة، لم يتسع ذلك المضيق إلا قليلا. وإن كان المأثور ما كان مرويا قبل تدوين التفاسير الأُول مثل ما روي عن ابن عباس وأصحاب ابن مسعود، فقد أخذ أصحاب هذا الرأي يفتحون الباب من شَقِّه، ويقربون ما بعد من الشُّقَّة. وقد التزم الطبري في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن الصحابة والتابعين، لكنه لا يلبث في كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره منها وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلام العرب، وشاكل الطبري في تفسيره معاصروه.
كما أشار ابن عاشور إلى أصحاب التفسير بالرأي المذموم متخذا في ذلك عديد الأمثلة من غلاة الشيعة والباطنية والصوفية وكثير من الفرق المتعددة التي حملت معاني القرآن ما لم تحتمله وأولوه على حسب أهواءهم ومعتقداتهم وخالفوا بذلك رأي الأمة. متخذا في ذلك دور الناصح من هذه التأويلات والإشارات التي لم يستند فيها أصحابها إلى دليل ولا اعتمدوا على علم يخول لهم ما أباحوه لأنفسهم، فقال :" وإن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة، وإفحاش لأهل هذه الغلطة، فمن يركب متن عمياء، ويخبط خبط عشواء، فحق على أساطين العلم تقوية اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجاجه".
IV- IV- المقدمة الرابعة : فيما يحق أن يكون غرض المفسر


الصفحة التالية
Icon