II- II- وإما استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو المقام ولا يجافيها الاستعمال، وهي من خصائص اللغة العربية، ككون التأكيد يدل على إنكار المخاطب أو تردده. كما أن يفسر ما حكاه الله تعالى في قصة موسى مع الخضر بكثير من آداب المعلم والمتعلم كما فعل الغزالي في كتاب الإحياء.
III- III- وإما أن يجلب المسائل ويبسطها لمناسبة بينها وبين المعنى، أو للتوفيق بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم، أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه لا على أنها مما هو مراد الله من تلك الآية بل لقصد التوسع. كما يفسر أحد قوله تعالى :﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ فيذكر تقسيم علوم الحكمة ومنافعها مدخلا ذلك تحت قوله :﴿ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾. كذلك أن نأخذ من قوله تعالى :﴿ كَيْلاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾ تفاصيل من علم الاقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة على أن ذلك تومئ إليه الآية إيماء. وشرط كون ذلك مقبولا أن يسلك فيه مسلك الإيجاز فلا يجلب إلا الخلاصة من ذلك العلم ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له.
وللعلماء في سلوك هذه الطريقة الثالثة على الإجمال آراء : فأما جماعة منهم فيرون من الحسن التوفيق بين العلوم غير الدينية وآلاتها وبين المعاني القرآنية، ويرون القرآن مشيرا إلى كثير منها.
ولا شك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب تعالى وتقدس لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة ولكن معانيه تطابق الحقائق، وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم وكانت الآية لها اعتلاق بذلك فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه. وأما أبو إسحاق الشاطبي فقال في الفصل الثالث من المسألة الرابعة :" لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يُتكلف فوق ما يقدرون عليه".


الصفحة التالية
Icon