بهذه الكلمات أفتتح مقدمتي هذه ليكون للقارئ وقع في نفسه ومبرر لاختياري لهذا الموضوع الذي قدم لي من طرف المعهد -ضمن قائمة تحتوي على ثمانية عشرة عنوانا- وهو :"تقديم كتاب التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور مع ترجمة لمؤلفه".
اخترت هذا الموضوع لقلة ما وجدت وما سمعت عن هذا العالِم الفذ والبحر الواسع الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في هذه البلاد، ولئن كتب عنه الكثير في تونس وتحديدا في الجامعة الزيتونية إبان إغلاق جامع الزيتونة، إلا أن ذلك يبقى رهينة من ينقله إلى المكتبات والجامعات خارج تونس في ظل الطلاق البائن الذي حصل بين حكام البلاد والعلم الشرعي والتراث الزيتوني والفكر العربي والإسلامي بصفة عامة. كما أني تصفحت » التحرير والتنوير « ولم أجد ما يعرِّف بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور فأردت أن تكون هذه المحاولة البسيطة مادة لتقديم هذا الكتاب لمن أراد أن يعرف عن هذا العالم الفذ شيئا عن آراءه وإصلاحاته.
وسلطت الضوء في بحثي على الحقبة التاريخية والظروف السياسية والفكرية والاجتماعية التي نشأ فيها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وكتب فيها تفسيره لربط الحركة الإسلامية المعاصرة بالحركة الإصلاحية الأم - منذ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني - ومد جسور التواصل الفكري والأدبي والسياسي معها. لأنه لم يكن تفسيرا عاديا وإنما كان تعبيرة من صاحبه وشهادة حية على تلك الحقبة التاريخية التي وقفت فيها الأمة على مفترق طرق الخلافة الإسلامية المتساقطة والحقبة الاستعمارية الوارثة وما نتج عنها من دول "حديثة" حكمت كافة الأقطار الإسلامية، وهو كذلك رسالة إلى من يرث هذا العلم ويتداوله بين الناس.


الصفحة التالية
Icon