يرى الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن أسباب نزول القرآن كان دائرا بين القصد والإسراف، فدعاه ذلك إلى تمحيصه أثناء التفسير. وبرغم عذره للمتقدمين الذين ألفوا في أسباب النزول واستكثروا منه، إلا أنه لا يرى عذرا لأساطين المفسرين الذين تلقفوا الروايات الضعيفة فأثبتوها في كتبهم ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفا، حتى أوهموا كثيرا من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث تدعوا إليها. ونوه بالقاعدة الأصولية التي تقول " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، فجاءت مستجيبة لمعتقده في أسباب النزول التي غالبا ما وقفت عرضة أمام معاني التفسير.
ثم ذكر أن من أسباب النزول ما ليس المفسر بغنى عن علمه لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز، ومنها ما يكون وحده تفسيرا، وذكر أمثلة على ذلك معروفة (١) [١٨].
وقسم أسباب النزول إلى خمسة أقسام :
- - الأول : هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلا بد من البحث عنه للمفسر، منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ﴾ وغيرها.
- - الثاني : حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبيّن مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وُجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها. مثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي - ﷺ - : يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ الآية. إذ قد اتفق العلماء – أو كادوا – على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.


الصفحة التالية
Icon