وكذلك ما ورد عن أصحاب النبي - ﷺ - ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روي أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وصلى بالناس ولما اشتكوا إلى النبي - ﷺ - قال له :" أصليت بالناس وأنت جنب؟" قال : الله تعالى يقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ استدل بها لما خاف على نفسه من البرد، فسكت عنه النبي - ﷺ - مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا.
ومن ذلك أن عمر لما فتحت العراق لم يقسم الأرض السواد بين المسلمين، واستدل بالآية ﴿ وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ وقال :" إن قسمتها بينكم لم يجد المسلمون الذين يأتون بعدكم من البلاد المفتوحة مثل ما وجدتم" فجعلها خراجا على أهل الأرض يقسم على المسلمين كل موسم، وغيرها من الأمثلة.
وكذلك القراءات المتواترة إذا اختلفت في قراءة ألفاظ القرآن اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني، فهو يرجع إلى هذا الأصل.
ثم إن معاني التركيب المحتمل معنيين فصاعدا قد يكون بينهما العموم والخصوص، وقد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول، مثل الكناية والتعريض والتهكم مع معانيها الصريحة، كما فهم ابن عباس أجل رسول الله - ﷺ - من سورة النصر (١) [٢٣].
فمختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته، من اشتراك وحقيقة ومجاز، وصريح وكناية، وبديع، ووصل، ووقف، إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعها كالوصل والوقف في قوله تعالى: ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾، إذا وقف على ريب أو على فيه.


الصفحة التالية
Icon