ومن أدق ذلك وأجدره التنبيه على استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه دفعة. واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا : إرادة المعاني المكنى عنها مع المعاني المصرح بها، وإرادة المعاني المستتبَعات من التراكيب المسستتبِعة.
وقد نبه علماء العربية الذين اشتغلوا بعلم المعاني والبيان على هذا الأخير. وبقي المبحثان الأولان -استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه -، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، محل تردد بين المتصدين لاستخراج معاني القرآن تفسيرا وتشريعا، سببه أنه غير وارد في كلام العرب أو واقع بندرة.
والذي يجب اعتماده -بحسب ابن عاشور- أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك، والتركيب المشترك بين مختلف الاستعمالات، سواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية، محضة أو مختلفة. وذكر أمثلة على ذلك.
ويختم ابن عاشور هذه المقدمة بقوله أن هذا القانون يجمع بين المعاني التي يذكرها المفسرون، أو ترجيح بعضها على بعض. ورغم اعتماد المفسرين على ترجيح معنى من المعاني مما يجعل غير ذلك المعنى ملغى، إلا أن ابن عاشور يرى أن المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ – بدون خروج عن معين الكلام العربي البليغ- معاني في تفسير الآية، واعتمد ذلك في تفسيره لبعض الآيات.
X- X- المقدمة العاشرة : في إعجاز القرآن، مبتكرات القرآن، وعادات القرآن
فأما أنا فأردت في هذه المقدمة أن ألم بك أيها المتأمل إلمامة ليست كخطرة طيف. ولا هي كإقامة المنتجع في المَرْبَع حتى يظله الصيف. وإنما هي لمحة ترى منها كيف كان القرآن معجزا وتتبصر منها نواحي إعجازه وما أنا بمستقص دلائل الإعجاز في آحاد الآيات والسور، فذلك له مصنفاته وكل صغير وكبير مستطر. بهذه الكلمات افتتح الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور مقدمته العاشرة والتي جعلها في إعجاز القرآن ومبتكراته وعاداته.


الصفحة التالية
Icon