عقد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور العزم على تناول كتاب الله بالتفسير بعد أن راودته الفكرة مرات ومرات وفي كل مرة يثني عزمه على ذلك مخافة أن يعتريه من هذا الطريق ما يعتري كل مقدم على كتاب الله من تأول ألفاظه والكشف عن مراده، يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في هذا الصدد :" كنت على كلفي بذلك أتجهم التقحّم على هذا المجال، وأحجم من الزج بِسيَةِ قوسي في هذا المجال اتقاء ما عسى أن يعرِّض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتات سهام الفهم وإن بلغ ساعد الذهن الفُتوّة." كما كان رحمه الله يتحرّى من نفسه ثبات عزمه على تفسير القرآن قبل أن يبدأ فيه، فلم تكن فكرة تفسيره للقرآن الكريم هكذا مجرد إرادة عابرة أو فكرة خاطفة أو فراغ أو ترف فكري أو أدبي أراد الشيخ ابن عاشور أن تطرب له نفسه به، وإنما راودته هذه الأمنية منذ بعيد كما يقول هو وهو لم يتجاوز الـ٣٠ سنة، ولكنه انشغل عن مشروعه هذا بإسناده خطة القضاء في ٢٦ رمضان ١٣٣١هـ. ومن تصميمه على الفكرة – فكرة التفسير- عقد العزم على تحقيق أمنيته بمجرد تفرغه بنقله إلى خطة الفتيا في ٢٦ رجب ١٣٤١هـ، ويذكرك تصميم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على صغر سنه بالآية الكريمة التي فيها :﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ مريم ١٢ إذ يقول :" هنالك عقدت العزم على ما كنت أضمرته، واستعنت بالله تعالى واستخرته؟ وعلمت أن ما يَهُولُ من توقع كلل أو غلط، لا ينبغي أن يحول بيني وبين نسيج هذا النمط، إذا بذلت الوسع من الاجتهاد، وتوخيت طرق الصواب والسداد. أقدمت على هذا المهم إقدام الشجاع، على وادي السباع... ". كما يفهم من كلامه هذا تصريحا أو تلميحا تواضع العالم القدير وتخوف الورع الزاهد أمام بحر عميق أمواجه كالجبال الشاهقات مصداقا لقوله تعال :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ﴾ فاطر ٢٨.