الجهة الثانية : ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في نظم الكلام مما لم يكن معهودا في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمح به اللغة.
الجهة الثالثة : ما أودِع فيه من المعاني الحكيمة والإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية مما لم تبلغ إليه عقول البشر في عصر نزول القرآن وفي عصور بعده متفاوتة.
وقد عد كثير من العلماء من وجوه إعجاز القرآن ما يعد جهة رابعة هي ما انطوى عليه من الأخبار عن المغيَّبات مما دل على أنه منزل من علام الغيوب، وهو معجز للعرب الأميين خاصة وليس معجزا لأهل الكتاب.
فإعجاز القرآن من الجهة الأولى والثانية متوجه إلى العرب، ثم قد يشارك خاصةَ العرب في إدراك إعجازه كل من تعلم لغتهم ومارس بليغ كلامهم وآدابهم من أئمة العربية في مختلف العصور.
والقرآن معجز من الجهة الثالثة للبشر قاطبة إعجازا مستمرا على ممر العصور، لأنه قد يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية بواسطة ترجمة معانيه التشريعية والحِكمية والعلمية والأخلاقية، وهو دليل تفصيلي لأهل تلك المعاني وإجمالي لمن تبلغه شهادتهم بذلك.
وهو من الجهة الرابعة – عند من اعتبروها زائدة عن الجهات الثلاث- معجز لأهل عصر نزوله إعجازا تفصيليا، ومعجز لمن يجيء بعدهم ممن يبلغه ذلك بسبب تواتر نقل القرآن، وتعيّن صرف الآيات المشتملة على هذا الإخبار إلى ما أُريد منها.
هذا ما انتهى إليه استقراء الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إلى وجوه الإعجاز التي سيتناولها بالتفصيل كلها الواحدة تلو الأخرى.


الصفحة التالية
Icon