وفي القرآن مراعاة التجنيس من غير ما آية، والتجنيس من المحسنات، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾. وفيه التنبيه على محسّن المطابقة كقوله: ﴿ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾، والتنبيه على ما فيه من تمثيل كقوله تعالى: ﴿ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ – لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾.
ثم شرح الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور مطولا وجوه الإعجاز في القرآن وأتى على أمثلة متعددة، سوف نأتي عليها قدر المستطاع:
من أفانين الكلام الالتفات وهو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق آخر منها. لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع إذا انظم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة، وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى.
وكان للتشبيه والاستعارة عند القوم المكانُ القصى والقدر العلى في باب البلاغة، وقد جاء في القرآن من التشبيه والاستعارة ما أعجز العرب كقوله: ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾، وقوله: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ﴾، وقوله: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ اِبْلَعِي مَاءَكِ ﴾، إلى غير ذلك من وجوه البديع. ومن محاسن التشبيه كمال التشبيه والاحتراس، كقوله تعالى: ﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾، احتراس عن كراهة الطعام ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى ﴾، احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحله.


الصفحة التالية
Icon