وكذلك التمثيلية في قوله تعالى: ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ الآية، ففيه إتمام كمال جهات كمال تحسين التشبيه لإظهار أن الحسرة على تلفها أشد.
يضيف ابن عاشور فيقول قد تشتمل آية من القرآن على خصوصيات (١) [٢٥] تتساءل نفس المفسِّر عن دواعيها وما يقتضيها فيتصدى لتطلب مقتضيات لها ربما جاء بها متكلفة أو مغصوبة، ذلك لأنه لم يلتفت إلا إلى مواقع ألفاظ الآية، في حال أن مقتضياتها في الواقع منوطة بالمقامات التي نزلت فيها الآية، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الخَاسِرُونَ ﴾ سورة المجادلة، ثم قوله: ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ المُفْلِحُونَ ﴾.
وكان مما يعرض لشعراء العرب وخطبائهم ألفاظ ولهجات لها بعض الثقل على اللسان، فأما ما يعرض للألفاظ فهو ما يسمى في علم الفصاحة بتنافر حروف الكلمة أو تنافر حروف الكلمات عند اجتماعها مثل: مستشِزرات والكَنَهْبَل في معلقة امرئ القيس، وسَفَنَّجَة والخَفَيْدَد في معلقة طرفة، وقول القائل "وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ".
وقد سلم القرآن من هذا كله مع تفننه في مختلف الأغراض وما تقتضيه من تكاثر الألفاظ، وبعض العلماء أورد قوله تعالى: ﴿ أُلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾ وقوله: ﴿ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ﴾ وتصدى للجواب، والصواب أن ذلك غير وارد كما قاله المحققون لعدم بلوغه حد الثقل، ولأن حسن دِلالة اللفظ على المعنى بحيث لا يخلفه فيها غيره مقدم على مراعاة خفة لفظه.


الصفحة التالية
Icon