ومن الكيفيات التي تؤدى بها التراكيب، سكوت المتكلم البليغ في جملة سكوتا خفيفا قد يفيد من التشويق إلى ما يأتي بعده ما يفيد إبهام بعض كلامه ثم تعقيبه ببيانه. وفي القرآن نجد وقوف الشيخ ابن عاشور عند قوله تعالى: ﴿ ذُلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أنك إن وقفت على كلمة ﴿ رَيْبْ ﴾ كان من قبيل إيجاز الحذف أي لا ريب في أنه الكتاب فكانت جملة: ﴿ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ابتداء كلام وكان مفاد حرف ﴿ فِي ﴾ استنزال طائر المعاندين أي إن لم يكن كله هدى فإن فيه هدى. وإن وصلت ﴿ فِيهِ ﴾ كان من قبيل الإطناب وكان ما بعده مفيدا أن هذا الكتاب كله هدى.
فجاء القرآن بأسلوب في الأدب غض جديد صالح لكل العقول، متفنن إلى أفانين أغراض الحياة كلها معط لكل فن ما يليق به من المعاني والألفاظ واللهجة : فتضمن المحاورة والخطابة والجدل والأمثال والقصص والتوصيف والرواية. وكان لبلاغته وتناسقه نافذ الوصول إلى القلوب حتى وصفوه بالسِّحر والشِّعر.
مبتكرات القرآن
منها أنه جاء بأسلوب يخالف الشعر لا محالة وقد نبه عليه العلماء المتقدمون. ويضيف ابن عاشور على ذلك أن أسلوبه يخالف أسلوب الخطابة بعض المخالفة، وجاء بطريقة كتابٍ يُقصد حفظه وتلاوته، وهو من وجوه إعجازه من ذلك :
- - أنه جاء بالجمل الدالة على معان مفيدة
- - أن جاء على أسلوب التقسيم والتسوير (سورة) وهي سنة جديدة في الكلام العربي


الصفحة التالية
Icon