وأما العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلا وآجلا. وكلا العلمين كما يقول ابن عاشور كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم (١) [٢٨]. وقد اشتمل القرآن على العِلمين، فأما النوع الأول فهو لا يحتار إلى كبير عناء وفكر فإن مبلغ العلم عند العرب وقتذاك هو علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم، وقد أشار إلى هذا القرآن بقوله :﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾ وقال :﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ﴾.. ونحوه من محاجة أهل الكتاب.
وعد ذكر أخبار القرون السالفة في نسق وجوه الإعجاز، أن العرب لم يكن أدبهم مشتملا على التاريخ إلا بإشارات نادرة فجاء القرآن بالكثير من ذلك ( خبر موسى مع الخضر، يوسف واخوته، أصحاب الكهف، وذي القرنين ولقمان وغيره... ). فمن أخبار العرب قوله: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ ﴾ وقوله: ﴿ فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon