وأما النوع الثاني من إعجازه العلمي فهو ينقسم إلى قسمين: قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه، وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم فينبلج للناس شيئا فشيئا انبلاج أضواء الفجر على حسب مبالغ الفهوم وتطورات العلوم، وكلاهما دليل على أنه من عند الله لأنه جاء به أمي، والجائي به ثاوٍ بينهم لم يفارقهم. فمن طرق إعجازه العلمية أنه دعا إلى النظر والاستدلال، كقوله: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا ﴾ وقوله: ﴿ أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾ (١) [٢٩]. ولقد فتح القرآن الأعين إلى فضائل العلوم، فشبه العلم بالنور والحياة كقوله: ﴿ لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾ وقوله: ﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ وذكر العلماء في قوله: ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ ﴾ وقال: ﴿ هَلْ يَسْتَوْي الذِينَ يَعْلَمُونَ والذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾.
وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأغراضه مخالفة واضحة، إذ لا قبل لهم بتلك العلوم كما قال تعالى: ﴿ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ﴾.
خاتمة
» التحرير والتنوير « شهادة على قطيعة "إبستيمولوجية" صارخة وهوة نفسية وسلوكية شاسعة – أتحدث هنا على بلد المفسر على الأقل- بين موروث الأمة وتاريخها وبين ما عهد إلى أبناء المسلمين من مناهج وتيارات فكرية هدامة مفادها أن الإسلام والفكر الإسلامي والشريعة كانت وراء تخلف المسلمين وتقدم غيرهم.


الصفحة التالية
Icon